قراءة لمدة 1 دقيقة تفسير الشعراوي (خواطري حول القرآن الكريم)- جزء 2834(ص 14166, 14170)

تفسير الشعراوي (خواطري حول القرآن الكريم)- جزء 2834(ص 14166, 14170)

سورة الاحقفل

OOOX000000000*0 \ {\D

والمراد الخير في حصراً وفى أمتى نثراً ، بحيث يأخذ كل جيل أو كل

واحد منهم جزءاً من هذه الخيرية

وقوله :
وَمَا أَدْرى مَا يُفْعَلُ بي ولا بكُمْ ..
﴾ [ الأحقاف ] أي :
:

بی

الآن لا أدرى لكن لعله يدرى فى المستقبل بما يوحيه الله إليه ، كما حدث في مسألة محاربة الكفار والجهر بالدعوة ، حين طلب بعض مَنْ أسلم مع رسول الله محاربة الكفار ، فكان يقول لهم :
ما أمرت ،

ما أُمرت فلما هاجر إلى المدينة وافقهم على القتال .
إذن :
جهر بدين الله في مكة ولم يحارب إلا في المدينة ، وهنا حكمة ، فمكة كانت موطن قريش ومحل سيادتها ، وقريش كانت موضع اهتمام واحترام

من كل قبائل العرب لمكانتها من بيت الله الحرام وخدمتها لحجاجه ولتوسط مكة طريق التجارة بين اليمن والشام في رحلة الشتاء والصيف ، فكان لا بد من مراعاة هذه المكانة لقريش ، وعدم إعلان الحرب عليها في هذا الوقت .

(۱)

وحين نقرأ مثلاً سورة الفيل :
وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل (") 1 فَجَعَلَهُمْ كَعَصْف مأكول " [ الفيل ] )

(1) أبابيل :
جماعات متفرقة لا واحد لها من لفظها .
[ القاموس القويم ١ / ٤ ] ولكن قال ابن منظور في اللسان ( مادة أبل ( واحدها إبيل وإبول .
وقال الزجاج :
أي جماعات من هنا وجماعات من هنا .
وقيل :
طير أبابيل يتبع بعضها بعضاً إبيلاً .
إبيلاً أي :
قطيعا خلف قطيع .
[ لسان العرب ] (۲) السجيل :
الطين المتحجر الصلب الشديد .
[ لسان العرب ، مادة :
سجل ] والبعض أخذه من التسجيل والكتابة بأنها حجارة مما كتب الله أنه يعذبهم بها .
وقال الجوهري :
حجارة من طين طبخت بنار جهنم مكتوب فيها أسماء القوم .
فجمع بين الأقوال كلها (۳) العصف المأكول :
التبن أو ورق الشجر الذى أصابه مرض الأكال فتاكلت منه أجزاء [ القاموس القويم ٢٣/٢ ] .

سورة الاحقوا

O\{\\VDO00000000*00`0

لو قلت :
لماذا ؟
تجيبك سورة قريش :
لإيلاف) قُريش إيلافِهِمْ

رحلة الشتاء والصيف

[ قريش ]

یعنى :
فعل الله هذا لمصلحة قريش ، ولتظلّ لهم المكانة والمهابة بين قبائل العرب ، ولتظلّ آمنة مطمئنة فى رحلة تجارتها بين اليمن والشام .
لذلك قال بعدها :
﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جوعِ وَآمَنهُم مِّنْ خَوف ﴾

[ قريش ]

والمعنى في وَمَا أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ..
﴾ [ الاحقاف ] يعني ما أدرى أيأمرنا الله أن نقاتل هؤلاء ؟
أم يأمرنا بترك مكة إلى مكان آخر نلتمس فيه نُصرته، لذلك بعدها أمرهم رسول الله بالهجرة إلى الحبشة ، وقال :
« إنَّ فيها ملكا لا يظلم عنده أحد

(۲)

وكأن سيدنا رسول الله كانت عنده خريطة للعالم من حوله وفعلاً لما ذهبوا إلى الحبشة أكرمهم النجاشي ، ومنعهم حينما أرسلت قريش عمراً في طلبهم ، فردَّ عَمْراً ورد هدايا قريش ، وآمن بمحمد ودعوته ، لذلك وكله رسول الله فى أنْ يُزوجه من أم حبيبة ، ولما

(۱) إيلافهم :
اعتيادهم وتجهيزهم وتهيئتهم الذهاب في رحلتي الشتاء والصيف .
شتاء إلى اليمن وصيفاً إلى الشام

(۲) أورده ابن كثير في السيرة النبوية ( ٢/ ٤ ) والسهيلي في الروض الأنف ( ۲/ ۸۹ ) وابن

»

هشام فى السيرة ( ۳۲۱/۱ ) من طريق محمد بن إسحاق أن رسول الله قال :
خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد وهى أرض صدق حتى يجعل الله

لكم فرجاً

وهي

لو

أخت

(۳) أم حبيبة هي رملة بنت أبي سفيان بن أمية صحابية من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم معاوية كانت من فصيحات قريش ومن ذوات الرأى والحصافة ، ولدت ٢٥ قبل الهجرة .
زوجه إياها النجاشي ملك الحبشة وأصدقها من عنده أربع مئة دينار سنة 7 هجرية ( كان عمرها ٣٢ عاما ) توفيت ٤٤ هجرية عن ٦٩ عاما .
[ الأعلام للزركلي ٣٣/٣ ]

سورة الأحقول

مات النجاشي صلى عليه رسول الله (۱).

والهجرة إلى الحبشة كانت مرحلة انتقالية يحتمى فيها

المضطهدون من المسلمين عند هذا الرجل الذي لا يظلم أحد عنده وحتى يأذن الله لرسوله في الهجرة إلى المدينة ، حيث تأتى نُصرة الإسلام وإعلاء كلمته هناك

والحكمة أن الصيحة الأولى للدعوة كانت في مكة ، أما نُصرة الدين وتأييده فكانت فى المدينة ، ذلك لأن قريشاً كانوا سادة العرب

وأصحاب السيطرة في الجزيرة العربية .

ولو أن النُّصرة جاءت فى مكة لقالوا إنها بسبب سيادة قريش وسلطتها التى تعدت الجزيرة إلى العالم من حولها ، فكانت الحكمة أن تكون الصيحة الأولى للإسلام في أذن هؤلاء السادة تهزُّهم وتُقبِّح أفعالهم، وتُبطل ما هم عليه من عبادة الأصنام .

لكن النُّصرة تُؤجل إلى المدينة لينتصر الدين بالمهاجرين والأنصار ، حتى لا يظن ظان أن العصبية لمحمد هي التي خلقت

الإيمان بمحمد ، بل إن الإيمان بمحمد هو الذي خلق العصبية لمحمد

الله

وقوله:
﴿ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ )

[ الاحقاف ] انظر هنا إلى العظمة في شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو

يتكلم بما عنده كأنه يقول :
« يرد على فأقول :
أنا لست كأحدكم

،

6

(۱) عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
إن أخاكم النجاشي قد مات فقوموا فصلوا عليه .
فقال :
فقمنا فصففنا عليه كما يُصف على الميت، وصلينا عليه كما يُصلى على الميت » .
أخرجه أحمد في مسنده (٤٤٦،٤٣٩/٤) والترمذي في سننه ( ١٠٣٩ ) وصححه ، والنسائي في سننه (٧٠/٤)

سورة الأحقفل

ويُؤخذ مني فاقول ما أنا إلا بشر مثلكم

((

إذن :
سيدنا رسول الله لم يأت بشيء من عنده إلا في المسألة التي لم يرد فيها حكم ، فإن اجتهد في مسألة لم يرد فيها حكم وأخطأ قبل أن يُعدِّل الله له ، وأنْ يُصحح له ولا يأنف من ذلك ، وهو الذي يخبرنا بهذا التعديل ، كما في قوله تعالى :
﴿يَأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

ثم يقول الحق سبحانه :

قُل أَرَهَ يَنْعَ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَ يلَ عَلَى مِثْلِهِ

صلے

فَنَا مَنَ وَاسْتَكْبَر تُم إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ

الظَّالِمِينَ ال

[التحريم]

معنى أرأيتم ..
.
[ الاحقاف ] أخبروني أنتم إن كنتم ﴾

شاهدتم إن كان

الله عند من

و كفرتم به ..
[ الأحقاف ] الجواب

تقديره :
ماذا يحدث لكم ؟
والجواب معلوم :
إن كان هذا القرآن من عند الله ومع ذلك كفرتُم به فلن تنالوا إلا غضب الله في الدنيا وعقابه

في الآخرة .

وَشَهِدَ شَاهِدٌ مَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مَثْله

..

[ الأحقاف ]

الشاهد الذي شهد على صدق القرآن ، وأنه من عند الله هو عبد الله بن

سلام ، وهو أحد أحبار اليهود وأسلم وشهد لمحمد وللقرآن

على مثله

سورة الأحقوا

0000:
00

..
﴾ [ الاحقاف ] على مثل القرآن من الكتب السابقة

،

كالتوراة والإنجيل فهو مثلها من عند الله يدعو إلى ما دعت إليه من عبادة الله وتوحيده ، فكما نزلت التوراة على موسى ، والإنجيل على

عيسى نزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم ، وصفته ثابتة عندهم في التوراة

لذلك كان يقول عن رسول الله :
والله لقد عرفته حين رأيته

(1)

كمعرفتي لولدى ومعرفتي لمحمد أشد .
نعم عرفه من العلامات

التي وردت في كتبهم

١

يقول تعالى :
ولَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لَمَا مَعَهُمْ ﴾ [ البقرة ) أي :
القرآن ﴿ وَكَانُوا مِن قبل ..
[ البقرة ] أي :

(19)

من قبل نزول القرآن يَستَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كفروا به ..
﴾ [البقرة ] لماذا ؟
لأنه سيسحب بساط السيادة (۸۹) والسلطة من تحت أقدامهم

وقال أيضاً فيهم :
﴿ وَنَسُوا حَظًّا مَمَّا ذُكِّرُوا به ..
﴾ [المائدة ]

(1)

وإن كان لهم عذر في النسيان فليس لهم عذر في كتمان الكتاب وتحريفه ، بل كان منهم صنف يكتبونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذا من عند الله ليَشْتَرُوا به ثَمَنًا قَليلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ )

[ البقرة ] إذن :
اليهود نسوا وكتموا وحرّفوا وبدّلوا ، لكن الحق سبحانه وتعالى لا بُدَّ أنْ يُوقعهم في أشياء تدل على فعلهم وتكون منافذ للحق

>> :

قال القرطبي :
يُروى عن عمر أنه قال لعبد الله

(۱) قال ابن كثير في تفسيره ( ١٩٤/١ ) ابن سلام :
أتعرف محمداً كما تعرف ولدك ؟
قال :
نعم وأكثر ، نزل الأمين من السماء

على الأمين فى الأرض ينعته فعرفته ، وإني لا أدرى ما كان من

أمه

،

مشاركة

مقترحات التعديلات

من خلال إرسال مقترحك، فإنك توافق على شروط الاستخدام وسياسة الخصوصية لدينا